الشيخان عبدالرحمن وأحمد بن صالح بن صالح الذكير رحمهما الله

الأخوان الشيخان عبد الرحمن وأحمد بن صالح بن صالح الذكير رحمهم الله

 

من رموز أسرة اَل الذكير الشيخان عبد الرحمن وأحمد بن صالح بن صالح الذكير

انتقل الشيخ عبدالرحمن من عنيزة عند أخواله في البصرة الشيخ سليمان والشيخ حمد.

 

تجدر الإشارة أن الشيخ سليمان بن محمد الذكير كان سبباً بعد طلب أخته حصة المحمد العبدالرحمن الذكير لنقل ابنها من عنيزة إلى البصرة، إبان إحدى زياراته الدورية لعنيزة ، ضمن قافلة تحت إمرته قادماً من مدينة البصرة ، بعد إصرارها الشديد لاصطحابه معه بسبب الفقر والجوع الشديد في نجد ، بأن يأخذ ابنها معه رغم صغر سنه حيث لم يتجاوز12-14 سنة ليلتحق بأخوه الكبير في البصرة محمد بن صالح (والد العم عبدالعزيز أبو عدنان حفظه الله) الكاتب لدى أخواله، وهذا الشاب اليافع هو الشيخ عبدالرحمن بن صالح بن صالح الذكير. فاصطحبه خاله ملبياً طلب أخته ، وعينه من موظفي الديوانية (دار الضيافة) ليستضيف كل نجدي يصل للعراق ماراً أو مهاجراً ليجد مأوى و طعام و شراب لأيام و ليال ، قد تقصر أو تطول دونما مقابل, ما تحتمه أسمى القيم و الشيم النجدية العربية لأصيلة.

 

كانت قصته تجسد قصة كفاح وإرادة مكملة للقصص المذكورة سلفاً. يتجسد ذلك بإصراره رحمه الله بعد أن تعرف على نمط و أسلوب الحياة في البصرة خلال سنوات لا تتجاوز عدد سنوات اليد الواحدة، دفعه طموحه لأن يجرب حظه في التجارة وامام رفض خاله سليمان خشية عليه من المصاعب و المغريات لصغر سنه ، وتوصية أخته له ، قرر الرحيل والاعتماد على نفسه ، وبدون موافقة أخواله سافر، وخرج من أمان مضيف أخواله إلى معترك الحياة ، ليشق طريقه بنفسه. نادراً ما تعطف أو ترحم الحياة يافع ومراهق ممثله.

 

وقام باعتلاء سطح سفينة شراعية ، خشية ملاحقة خاله إن مكث في البصرة ، متجهاً عكس تيار شط العرب الشهير 180 كيلو متر شمالاً إلى ملتقى نهري دجلة و الفرات في مدينة العمارة.  بادئاً رحلة تجارية شاقة ، تعج بالصعاب و المخاطر أوصلته في النهاية بمساعدة أخاه الأصغر وذراعه اليمين وهو الشيخ أحمد بن صالح الذكير رحمهم الله، بعدما استدعاه من عنيزة لمساعدته بعدما رسخ قدميه وقواعد تجارته في البصرة ، و مهد الطريق لتوسعة أعماله و تجارته إلى مصاف كبار التجار النجديين من امثال اخواله سليمان و حمد الذكير، وعائلات شهيرة كالعقيل و البسام و أبا الخيل و الشملان و غيرهم، ممن يصعب تعدادهم من عشرات العائلات النجدية ، التي كانت شبه مهيمنة ، دون مبالغة على أهم النشاطات التجارية في البصرة، وذات صيت خير لتعاملاتهم التجارية والاجتماعية والسياسية المميزة، وكانوا مرتبطين عملياً ووجدانياً بأهلهم ووطنهم في نجد.

 

 

كان الشيخ عبدالرحمن رجلاً عصامياً بدء حياة شاقة وعسيرة في مدينة العمارة، بالقرب من مدينة البصرة، حيث لجأ هذا الشاب اليافع إلى اسواق العمارة مبتدأ بجمع أكياس خيش الفحم الفارغة من تجارها ، ليقوم بغسلها في مياه نهر دجلة ، و إعادة بيعها لتجار الحبوب ، ليكسب ما يسد رمقه مفترشاً البساتين لتوفير النذر اليسير ، لعله يرضي به إصرار طموحه لبدأ حياة تجارية ، فما أن نجح بعد شهور من الكدح ، حتى بدأ بزيارات مختلفة لمدينة البصرة ، ليشتري من هنود سوق الهنود الشهير في البصرة بضع أمشاط و مرايا و عطور، يعود بها إلى أسواق العمارة، محمولة على خشبة معلقة بحزام جلدي على رقبته سائراً منادياً على بضاعته اليسيرة. حيث استمرت هذه الرحلات المكوكية حتى تطورت وأصبح يسافر بنفسه إلى الهند ، بكل ما يحتويه البحر من مخاطر ، على مراكب شراعية خشبية بسيطة مكتظة بالبضائع و الركاب ، تختلط بها أصوات و روائح طبخ و بشر و معرضة لأشد أخطار أمواج و عواصف خلجان و بحار ، كثيراً ما أودت بحياة من يمتطيها ، فكانت نهاية تلك الرحلات عاصفة بحرية ضارية قلبت المركب و من فيه ، وكادت تودي بحياته ، لولا قدر الله و سباحه تعلمها في صباه في اَبار و برك مزارع عنيزة (هذه العاصفة كانت عند مصب نهر شط العرب في الخليج العربي)، وبغرق هذا المركب الشراعي خسر كل ما جمعه من رأس مال ولكن برحمة من الله نجح في الوصول الى بيت اخواله في البصرة منهكا من الجوع والتعب بعد ان مشى على قدميه مسافة 40 كيلومتر ، ومن هنا وبعد توفيق الله ومن ثم ارادته وعزيمته واصراره على النجاح بداء تجارته مرة اخرى من الصفر.

 

وقد التحق به اخوه الشيخ أحمد بن صالح الذكير قادماً من عنيزة ومستقراً في البصرة لإدارة الاملاك ومزارع النخيل الكبيرة في منطقتي الهارثة وابو الخصيب والتي كان محصولهما من التموروخصوصا البرحي يعتبر من أجود المحاصيل التي كان يتم بيعها وتصديرها للخارج.

 

وفي سنة الخمسين ميلادية قرر الشيخ عبدالرحمن رحمهُ الله الإستقرار في بغداد والتي كانت من أكثر العواصم العربية ازدهاراً اقتصادياً وثقافياً وعلمياً، واتّخذ له مكتباً صغيراً في (شارع البنك) المتفرع من شارع الرشيد المشهور وازدهرت أعمالهما وفي منتصف الخمسينات بنى (الحجّي) وهذا ما كان يطلق عليه، عمارة نموذجية في بغداد سماها " عمارة الذكير " اتخذ من الطابق الأرضي مكتباً، وقام بعرض شقق الطوابق العليا مكاتب لمن أراد عنواناً مميزاً في العاصمة.

 

وبانتقاله إلى بغداد أصبحت مسئولية أخيه الشيخ أحمد هي شؤون الميناء، واستلام الوارد من السّكّر، وشحنه إلى بغداد بواسطة ( الدّوَب ) وهي مراكب نهرية، لأن القطار لا يتيح الخدمة . تُضاف إلى الشيخ أحمد مهام مثل رعاية الأطيان الزراعية (القيعان) ومهام العقارات وإدارتها (في البصرة والزبير)، وشؤون ومصاريف عنيزة والزكوات والتبرعات التى تُرسل اليها، وكانت الزكاة تصل من البصرة بالريال السعودي الفضيّ وتسلم لأخته نوره رحمها الله واالتي بدورها ترسل حاويات من القصدير (التنك) الى إمام الحارة حسب تعميد الشيخان رحمهما الله. ولا يفوتنا أن نذكر أن الإتصال بين الأخوين عبد الرحمن وأحمد كان بشكل شبه يومي وهاتفياً (نداء بواسطة البدّاله). والامور ماشية وبنظام .

 

 ولم يمنعهم انشغالهم بتجارتهم عن صلة اهلهم وارحامهم في عنيزة حيث كانت صلتهم بهم وثيقة جداً وكانا يتناوبان في الذهاب إلى عنيزة سنوياً لتفقد ورعاية اهلهم هناك رغم صعوبة ومشقة السفر وقد خصصا لرحلات عنيزة مركبات ذات مواصفات خاصة (لوري) تتحمل وعورة الطريق وتستوعب حمولة كبيرة من الارزاق والبضائع.

 

وهناك قصة متداولة أنه في بداياته، اشترى من أحد التجار، سفينة محملة بالبضائع قادمة من الهند للخليج والعراق، بقيمة مخفضة بشكل كبير بحجة أن هذا التاجر مستعجل في الحصول على النقد، بينما الحقيقة أن هذا التاجر سمع أن هذه السفينة القادمة من الهند قد تعرضت الى تسرب للمياه من ما اتلف جل بضائعها المحملة عليها ومن بينها بضاعة السكر التي ابتاعها الشيخ عبدالرحمن والذي علم بعد فترة من شرائه لها وقبل وصول السفينة بخبر التسريب وعلم انه قد تمت الحيلة عليه، وتعب تعباً شديداً، إلا أن إرادة الله وتوفيقه أبت الى أن تصل السفينة ورغم تلف جزء من بضاعته إلا أنه تمكن من بيعها بسرعة وبارباح مجزية بسبب ارتفاع الطلب والنقص المفاجيء في السكر وكانت رافد خير على الشيخ عبدالرحمن وتمثل العزيمة والتوكل على الله والتوفيق بيده سبحانه.  

 

كان محباً رحمه الله للشعر و خاصة النبطي منه, فكان يكلف من كان بأمرته ، بنسخ دواوين كاملة لأشهر شعراء النبط أنذاك, ليقرأها على أبنائه إلى جانب سرده لبطولات ابن قبيلته فارس عتيبه الشهير محمد بن هندي ، التي لا يمل على تكرارها على أسماع أنجاله. كما كان مماثلاً لكبار تجار اَل الذكير في البحرين والبصرة في دعم المؤسسات الدينية ، حيث كان مساهماً في بناء أشهر المدارس الدينية السلفية الإتجاه في بغداد وهي مدرسة التربية الاسلامية ، حيث كانت الوحيدة التي تدرس من دروس الدين مالا يدرس من دروس "الفقه و السيرة والحديث والتفسير" في مثيلاتها في بغداد وقد الحق ابناؤه بها ، كما كانت الوحيدة المحتوية على مسجد مخصص يتسع لكل المدرسين و الطلاب لأداء فرائض الصلاة إبان فترة الدراسة ، كما أنه لا يبخل على المساهمة في تمويل بناء مختلف المشاريع الخيرية.

 

رحم الله الشيخان عبد الرحمن وأحمد أبناء صالح بن صالح الذكير.

---------------------------------------------

صورة 1957 م زيارة جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز طيب الله ثراه للعراق ويصافح الشيخ عبدالرحمن بن صالح الذكير رحمه الله فيها جلالة الملك ويظهر في الصورة الملك فيصل الثاني ملك العراق (ثالث وآخر ملوك العراق) والسفير السعودي في العراق الشيخ محمد الحمد الشبيلي (أبو سليمان) رحمهم الله.

صورة 1957 م زيارة جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز طيب الله ثراه للعراق ويصافح الشيخ عبدالرحمن بن صالح الذكير رحمه الله فيها جلالة الملك ويظهر في الصورة الملك فيصل الثاني ملك العراق (ثالث وآخر ملوك العراق) والسفير السعودي في العراق الشيخ محمد الحمد الشبيلي (أبو سليمان) رحمهم الله.

-------------------------------------

صورة للشيخ أحمد بن صالح الذكير رحمه الله

صورة للشيخ أحمد بن صالح الذكير رحمه الله